الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

تعزيز النفوذ.. دلالات جولة كبير مسؤولي الخارجية الصينية إلى إفريقيا

  • Share :
post-title
كبير الدبلوماسيين الصينيين وانج ويي

Alqahera News - نورا فايد

أعلنت وزارة الخارجية الصينية، في 19 يوليو 2023، أن كبير الدبلوماسيين الصينيين وانج يي، سيقوم بجولة إلى كل من جنوب إفريقيا ونيجيريا وكينيا خلال الأيام المقبلة. ووفقًا لبيان الخارجية الصينية، فإن "وانج ويي" سيشارك أولًا في القمة الـ13 لمستشاري الأمن القومي والممثلين الساميين لمجموعة "بريكس" بشأن الأمن القومي يومي (24 و25 يوليو الجاري) في جوهانسبرج بجنوب إفريقيا، وبعدها سيتوجه إلى نيجيريا وكينيا وجنوب إفريقيا وتركيا قبل القمة وبعدها، وذلك بدعوة من حكومات هذه الدول.

دلالات التوقيت:

تجدر الإشارة إلى أن أهمية الزيارة التي سيجريها كبير الدبلوماسيين الصينيين، تنبع من كونها تأتي في توقيت مهم، يشهد تحركات من الجانبين الأمريكي والروسي نحو دول القارة الإفريقية، ويقابله تبادل للزيارات بين الصين ودول إفريقية، وهو ما يمكن توضحيه على النحو التالي:

(*) عودة التحرك الأمريكي نحو دول القارة الإفريقية: شهدت الثلاثة أعوام الماضية، تحركًا أمريكيًا نحو إفريقيا، في محاولة من قِبل إدارة الرئيس الأمريكي "بايدن" لإعادة الحضور الأمريكي إلى إفريقيا وتعزيز العلاقات مع دول القارة بعد إهمالها خلال الفترة حكم الرئيس السابق دونالد ترامب، ما ساهم في تنامي النفوذين الروسي والصيني بدول القارة.

كان من أبرز تلك التحركات، أول جولة إفريقية لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن منتصف نوفمبر 2021، إلى كل من كينيا ونيجيريا والسنغال. وفي أواخر مارس الماضي، أجرت نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس أول جولة إفريقية ضمت دول غانا وتنزانيا وزامبيا. وفي الفترة من 11 إلى 14 يوليو الجاري انطلقت قمة الأعمال الأمريكية الإفريقية في جابوروني عاصمة دولة بوتسوانا، وضمت نحو 100 مشارك من جميع أنحاء إفريقيا والولايات المتحدة.

وفي أواخر ديسمبر الماضي، إبان استضافة واشنطن للقمة الأمريكية- الإفريقية الثانية، أعلن "بايدن" عن رغبته في زيارة دول إفريقيا جنوب الصحراء، لتعزيز الشراكة مع هذه البلدان بمختلف المجالات، ويعكس ذلك إدراك "بايدن" أن إفريقيا "منطقة فرص" ينبغي استغلالها والاستفادة من مواردها وليست "منطقة مشكلات" كما كان يدعي سلفه السابق.

كامالا هاريس نائبة الرئيس الأمريكي مع نانا أكوفو-أدو رئيس غانا

(*) تكثيف الحضور الروسي في إفريقيا: تأتي التحركات الأمريكية بالتزامن مع أخرى تجريها روسيا من أجل التأكيد على حضورها بدول القارة الإفريقية، وشهدت السنوات الماضية أيضًا تحركات روسية نحو دول القارة، كان من أبرزها جولة لوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في أواخر يوليو 2022، إلى كل من مصر والكونغو وأوغندا وإثيوبيا، وكانت هذه الجولة محاولة من قِبل موسكو لحشد الدعم الإفريقي للوقوف بجانبها، خاصة بعد فرض عقوبات أمريكية وغربية عليها جراء الحرب في أوكرانيا.

هذا بجانب تعزيز النشاط الاقتصادي الروسي في هذه البلدان للخروج من مأزق العقوبات، وهذا هو السبب في استضافة مدينة سانت بطرسبرج الروسية في 27 و28 يوليو الجاري، القمة الروسية الإفريقية التي سيشارك بها نصف الدول الإفريقية على أعلى مستوى- رؤساء الدول والحكومات، وفقًا لما أعلنه ألكسندر بولياكوف نائب مدير إدارة إفريقيا بوزارة الخارجية الروسية، في 18 يوليو الجاري، مبينًا أن بلاده استلمت تأكيد مشاركة 49 دولة في القمة الروسية الإفريقية المقبلة.

وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف مع نظيره الإثيوبي دمقي مكونن

(*) تحركات متبادلة بين الصين ودول إفريقية: تأتي الجولة المقبلة لكبير الدبلوماسيين الصينيين إلى إفريقيا، بالتزامن مع تحركات متبادلة على الجانبين الصيني والإفريقي لتعزيز العلاقات المشتركة، فمن جهة، دفعت الدولة الآسيوية خلال هذا العام ببعض مسؤوليها لزيارة دول القارة في إطار مساعيها المستمرة لتعزيز أنشطتها الاستثمارية والاقتصادية في القارة السمراء، ومن أبرزها، الجولة التي أجراها وزير الخارجية الصيني تشين جانج في يناير الماضي، إلى إثيوبيا والجابون وأنجولا وبنين ومصر، وكانت الزيارة الخارجية الأولى له بعد أيام قليلة من توليه منصبه في ديسمبر الماضي، الأمر الذي يعكس الحرص الصيني على تعميق الشراكة مع دول القارة.

وفي المقابل، أجرى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون زيارة إلى الصين في 13 يوليو الجاري، بدعوة من نظيره الصيني شي جين بينج بهدف تعزيز علاقات التعاون الاقتصادية والعسكرية والاستثمارية بين بكين والدولة الواقعة بشمال إفريقيا.

رئيس الجابون علي بونجو ووزير الخارجية الصيني تشين جانج
أهداف مشتركة:

في ضوء التحركات سالفة الذكر سواء كانت صينية أو أمريكية أو روسية، فإن توجه كبير الدبلوماسيين الصينيين وانج يي إلى نيجيريا وكينيا وجنوب إفريقيا في هذا التوقيت، يحمل جملة من الدلالات تسعى بكين لتحقيقها من جراء هذه الزيارة، يمكن توضيحها كما يلي:

(&) تعميق الشراكة الاستراتيجية بين الصين وإفريقيا: تأتي هذه الزيارة في إطار مساعي الدولة الآسيوية منذ تولي الرئيس الصيني الحالي شي جين بينج مقاليد الحكم في مارس 2013، لتعميق الشراكة الاستراتيجية الشاملة مع دول القارة الإفريقية، والعمل بشكل متواصل على استغلال كافة الفرص التي يمكن من خلالها تعزيز علاقاتها مع إفريقيا.

وتجدر الإشارة إلى أن اختيار كبير الدبلوماسيين لكل من نيجيريا (غرب إفريقيا) وكينيا (شرق إفريقيا) وجنوب إفريقيا، يكشف الأهمية الكبيرة التي توليها هذه الزيارة، خاصة أن الدول الثلاث هم شركاء مهمون للصين في إفريقيا، فضلًا عن كونهم دول ذات أهمية محورية وحيوية في القارة.

(&) تعزيز علاقات التعاون الاقتصادي والتجاري المشتركة: تحمل هذه الزيارة هدفًا رئيسيًا، يكمن في تعزيز أوجه التعاون بالمجالين الاقتصادي والتجاري مع الدول الثلاث، من خلال "مبادرة الحزام والطريق" التي كانت سببًا في توسيع استثمارات الشركات الصينية في إفريقيا، خاصة بمجالات تشييد البنية التحتية واستكشاف المناجم في إفريقيا، فوفقًا لإحصائيات عام 2021، بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين وإفريقيا نحو 282 مليار دولار، لتحتل المرتبة الأولى كأكبر شريك تجاري في إفريقيا.

وفيما يخص الدول محل الجولة، فإن بكين تسعى من جراء الذهاب إلى نيجيريا لتكثيف التعاون بمجال الطاقة، نظرًا لكون الدولة الواقعة بغرب إفريقيا مهددة بحدوث أزمة في الطاقة لديها، ولذلك فإن بكين أعربت خلال الفترة المقبلة عن توجهها لمعالجة هذه الأزمة واستكشاف مصادر جديدة للطاقة النظيفة مع نيجيريا.

وفي الوقت ذاته، فإن اختيار كبير الدبلوماسيين لكينيا يأتي من أجل تعزيز التعاون التجاري والاستثماري، خاصة أن الدولة الواقعة بشرق إفريقيا تتمتع بمناخ استثماري ملائم ودعم حكومي، ولذلك كانت خلال الفترة المقبلة وجهة استثمارية لعدد من الشركات الصينية التي تحرص على تعزيز استثماراتها هناك، وهو السبب في زيارة وفد من المستثمرين الصينيين إلى كينيا في أبريل الماضي. وأخيرًا، فإن "وانج يي" سيبحث مع قادة جنوب إفريقيا، الدور الذي يمكن أن تلعبه مجموعة "بريكس" (التي تضم الصين، روسيا، جنوب إفريقيا، الهند، والبرازيل)، وكيفية تعزيز النفوذ الإقليمي لجنوب إفريقيا.

(&) مواجهة النفوذين الأمريكي والروسي في دول إفريقيا: إن من أبرز الأسباب الكامنة وراء زيارة كبير الدبلوماسيين الصينيين إلى الدول الإفريقية الثلاثة، هو مواجهة محاولات كل من أمريكا وروسيا للتغلغل في دول القارة، خاصة أن واشنطن خلال الفترة الأخيرة حاولت تشويه صورة بكين في إفريقيا ومارست ضغوطًا على بعض دول القارة من أجل الانحياز إليها، فعلي سبيل المثال، إبان الإعداد للقمة الأمريكية الإفريقية في ديسمبر الماضي، بدأ بعض الخبراء الأمريكيين يروجون لمزاعم مفاداها أن الصين هدفها الرئيس هو نهب ثروات القارة وأن ذلك يدفعها لعقد صفقات غير شفافة والقيام بعمليات استخراج للثروات لتحقيق مصالحها الذاتية، بالإضافة إلى الادعاء بأن الصين تقرض دول القارة بهدف استغلالهم، رغم أن بكين لم تضع شروطًا كما تفعل واشنطن وصندوق البنك والنقد الدوليين حينما يقومون بإقراض الدول.

(&) تعزيز التعاون بالمجالات الأمنية ومكافحة الإرهاب: تهدف هذه الجولة أيضًا لتعزيز التعاون بين الصين وبعض الدول الإفريقية التي تعاني من خطر فيروس الإرهاب المتفشي ببعض دول القارة، ويهدد ليس فقط أمنها واستقرارها بل يؤثر سلبًا على الأنشطة الاستثمارية الصينية هناك، ولعل نيجيريا من أبرز الدول محل الجولة التي تعاني بشدة من الأعمال الإرهابية المتصاعدة لجماعة "بوكو حرام" الإرهابية، وعليه، فإن جولة "وانج يي" تأتي في إطار مساعي بلاده للتعاون مع إفريقيا للتنفيذ المشترك لمبادرة الأمن العالمي، والتصدي للتحديات الأمنية التي تشهدها بعض دول القارة، والعمل على تقوية ورفع كفاءة القوات الإفريقية حتى تتمكن من مكافحة الإرهاب، وبما يضمن تعزيز السلام والاستقرار في إفريقيا.

تأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن الجولة الإفريقية لكبير الدبلوماسيين الصينيين "وانج يي" تأتي في إطار الجهود التي تجريها الدولة الآسيوية بهدف الحفاظ على نفوذها وتعزيز وجودها بمختلف دول القارة في المجالات كافة، خاصة في ظل تحركات بعض القوى الدولية للتغلغل في إفريقيا للاستفادة من الثروات التي تتمتع بها القارة، التي تأتي بالتزامن مع تراجع اقتصاديات عدد من دول العالم جراء الحرب الروسية الأوكرانية التي لا يوجد أي مؤشر على نهايتها قريبًا، وهو ما يعني مزيدًا من التأثير السلبي على اقتصاد دول العالم.