الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

توقيت حاسم.. ما هي مخاطر صراع التنظيمات الأصولية في شمال سوريا؟

  • Share :
post-title
التنظيمات الإرهابية في سوريا-أرشيفية

Alqahera News - محمود جمال

رغم مرور أكثر من إثني عشر عامًا على الأزمة السورية إلا أن الحرب لم تضع أوزارها بعد، وتعيش سوريا لا سيما المناطق الشمالية منها حالة عدم استقرار نتيجة التدخلات الخارجية، وهيمنة الجماعات والتنظيمات الإرهابية بما يعكس استمرار حالة الفوضى وغياب مؤسسات الدولة عن أداء أدوارها الاجتماعية والأمنية، وهو ما يُفاقم الأوضاع هناك، ويُسهم في مزيد من التدخلات الخارجية لا سيما التركية. نحاول فيما يلي رصد خريطة التنظيمات الإرهابية في مناطق الشمال السوري، ودراسة استراتيجيات عملها، وانعكاس ذلك على مستقبل الأزمة السورية.

خريطة الانتشار:

تعج مناطق الشمال السوري بانتشار ملحوظ للتنظيمات والحركات الأصولية، ومن أبرز هذه التنظيمات:

(*) تنظيم "داعش" الإرهابي: بدأ التنظيم أنشطته في سوريا متخذًا من الرقة عاصمة له، وذلك قبل إسقاطه من قِبل القوات الكردية والتحالف الدولي. وترى قوات سوريا الديمقراطية أن "داعش" قد يكون المستفيد الأول من العملية البرية المرتقبة في الشمال السوري. وترى التحليلات أن التدخل التركي سيفتت جهود مكافحة الإرهاب العالمية، خاصة أن قوات سوريا الديمقراطية "قسد" كانت جزءًا مهمًا من هذه الجهود.

(*) تنظيم "حراس الدين": يُعد التنظيم هو أحد أفرع تنظيم "القاعدة" في سوريا، ويُصنف التنظيم على قوائم الإرهاب الأمريكية. ويُعد أبرز قيادات التنظيم من الأجانب المتمرسين في الإرهاب العالمي. وبدأ ظهور التنظيم عام 2018 ضمن "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقًا). ويندرج تحت التنظيم مجموعة من المنظمات الإرهابية العالمية مثل جيش البادية، جيش كابل، وكتيبة أبو عبيدة بن الجراح وغيرهم من التنظيمات الإرهابية. وتتركز عمليَّاته الإرهابية على الاغتيالات عبر الدراجات النارية والتفجير عبر التفخيخ. وتسعى واشنطن للقضاء على التنظيم عبر تجفيف منابع تمويله واستهداف قياداته الميدانية لشل حركته وقدراته على الانتشار والتمدد. ويُعد هذا التنظيم من أكثر التنظيمات الإرهابية التي تضم عناصر وقيادات من الجيل الأول لتنظيم القاعدة.

الجولاني في مقابلة مع الصحفي بمجلة فرونت لاين الأمريكية مارتن سميث

(*) "هيئة تحرير الشام": هي جماعة سلفية جهادية تسيطر على نصف مساحة إدلب، وتشارك في الحرب الأهلية السورية. وتأسست الهيئة بعد اندماج بين "جبهة النصرة" و"جبهة أنصار الدين" و"لواء الحق" و"حركة نور الدين زنكي" في يناير 2017، وتُصنف على قوائم الإرهاب الأمريكية. ومن أبرز قياداتها "أبو محمد الجولاني" الذي يعمل على إعادة إنتاج صورة الهيئة لتصديرها للخارج بهدف إزالة الحركة من قوائم الإرهاب الأمريكية وإعادة التموضع لحجز مكانها في مستقبل سوريا على غرار حركة طالبان الأفغانية التي تفاوضت مع واشنطن وسيطرت على كامل أفغانستان عام 2021. وتتصل الحركة بعلاقات ودية مع السلطات التركية خاصة منذ عملها على تلميع نفسها كحركة سياسية تكافح في داخل المناطق السورية وليس الخارج، ويتهم البعض السلطات التركية بتسهيل مهام الهيئة للسيطرة على مزيد من الأراضي السورية. جدير بالذكر أنه من أبرز الأسلحة التي تستخدمها الهيئة العربات المُلغمة، والأسلحة الخفيفة والقناصات، والرشاشات المجهزة بالمناظير الحرارية الليلية إضافة إلى المسيَّرات.

(*) "الحزب التركستاني":هو فرع "الحزب الإسلامي التركستاني" في سوريا، ويُعد جماعة سلفية جهادية تنتمي للإيجور الصينية، والتي تشارك في الحرب الأهلية السورية. وكان مصنفًا على قوائم الإرهاب الأمريكية قبل إزالته من قِبل واشنطن لمكايدة بكين في سياق صراعهما الاقتصادي وحروبهما التجارية. وينشط مع القوات العسكرية التركية. وتستهدف الحكومة الصينية أنشطة الحزب وتتهمه بالتحريض على الإرهاب في الداخل الصيني.

الحزب التركستاني

(*) تنظيم "أنصار التوحيد": تأسس مطلع عام 2018 بقيادة "أبو ذياب سرمين"، وينشط التنظيم في ريفي حماة واللاذقية. ويتشكل من عناصر تنظيم "داعش" الهاربين إلى مناطق المعارضة بعد خسارة التنظيم لمراكزه أمام "قسد" والتحالف الدولي. ويمتلك التنظيم القدرة على تصنيع الصواريخ محلية الصنع والتي تستهدف مراكز للجيش السوري.

(*) تنظيم "أنصار الإسلام": من الفصائل الجهادية المستقلة، والتي تنشط في مناطق إدلب، وتنضوي تحت لواء غرفة تضم تنسيقية الجهاد، ولواء المقاتلين الأنصار، وجماعة أنصار الدين، وتنظيم حراس الدين. ويعتمد نشاط التنظيم على قتال الجيش السوري، وقد بدأت المجموعة نشاطها في العراق عام 2001 في مناطق كردستان العراق. وقد حاولت هيئة تحرير الشام القضاء عليها وإضعافها ولكنها فشلت.

مؤشرات خطيرة:

تشير التقارير إلى تحول مناطق الشمال السوري إلى مفرخة جديدة للإرهاب لا سيما أن هناك مجموعة من المؤشرات التي تؤكد ذلك الجانب مثل نمو سياسات تصدير المرتزقة إلى العديد من بؤر الصراع الإقليمية والدولية مثل ليبيا وإقليم ناجورنو قره باغ المتنازع عليه بين كل من أذربيجان وأرمينيا إضافة إلى التدخلات الأمريكية، وتزايد النفوذ التركي على الأراضي السورية، ونوضح هذه المؤشرات فيما يلي:

مجموعة من المرتزقة شاركوا في نزاع ناجورنو قره باغ

(&) نمو سياسة تصدير المرتزقة: استغلت أنقرة، الأزمة السورية في تحويل مناطق شمال سوريا لمسرح لإعداد المرتزقة الذين تم استخدامهم وتسفيرهم فيما بعد لبؤر الصراع. وقد أدخل ذلك الدولة الليبية في نفقٍ أكثر ظلمة من انتشار الميليشيَّات بعد شحن الآلاف من المرتزقة من بؤر الصراع في سوريا عام 2019؛ حيث بات هؤلاء المرتزقة مصدر تهديد للعملية السياسية في ليبيا. جدير بالذكر أن الأطراف الليبية والمجتمع الدولي اتفقا على ضرورة إخراج المرتزقة من ليبيا كبداية للحل السياسي وإجراء الانتخابات، ولكن كان ولا زال ذلك مجرد دعوات لم تلقى تنفيذًا على الأرض لأيٍ من الأطراف. ونجحت أنقرة في حسم المعركة لصالح أذربيجان في منطقة جنوب القوقاز؛ حيث اعتمدت باكو على المرتزقة السوريين كمقدمة لصفوفها الأمامية، وهو ما ساعد في حسم المعركة. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى انتشار نحو 20 ألف مرتزق في ليبيا، 13 ألف منهم من سوريا، وأشارت التقديرات إلى وجود حوالي 2,500 مقاتل من السوريين إلى جانب الجيش الأذربيجاني خلال حربه مع أرمينيا حول إقليم ناجورنو قره باغ المتنازع عليه.

(&) تزايد النفوذ الأمريكي على الأراضي السورية: أسهم نشوء الظاهرة الجهادية في مناطق الشمال السوري من توافر ذريعة للتدخل الخارجي لا سيما الأمريكي على الأراضي السورية بحجة مكافحة الإرهاب وفق سياسة "الخطر البعيد" التي تتبعها واشنطن منذ 2001. واستفادت واشنطن من تأجج الصراع في سوريا؛ إذ بات لها العديد من القواعد والتمركزات العسكرية داخل العمق السوري، وهي لم تكن تحلم يومًا بذلك. ووفقًا لتصريحات لوزير الخارجية الأمريكي الأسبق "ريكس تيليرسون"، استفادت واشنطن من الصراع في سوريا في ضمانها لوجود أمريكي في شرقي سوريا إلى أجل غير مسمى وذلك لمجابهة النفوذ الإيراني، وقطع الطريق أمام طهران للتنسيق مع "حزب الله" في لبنان عبر إقامة ممر بري عبر سوريا إضافة إلى منع عودة ظهور تنظيمات إرهابية مثل "داعش" و"القاعدة".

قوات تركية في الشمال السوري

(&) تزايد التدخلات التركية: ساهم انتشار الظاهرة الجهادية في مناطق الشمال السوري في تمدد النفوذ التركي في هذه المناطق؛ إذ تعتمد أنقرة على هذه التنظيمات لا سيما "هيئة تحرير الشام" في إدارة الشئون المحلية وتنفيذ المهام النوعية وفق السياسة والمصالح التركية مثل مساعدة أنقرة في محاربة قوات سوريا الديمقراطية. ويرى البعض أن السياسات التركية في مناطق الشمال تُمهد لاحتلال تركي كامل لمناطق الشمال السوري، خاصة أن السيطرة التركية على لواء الإسكندرون ما زالت عالقة في الأذهان. وتتبع أنقرة سياسة تتريك المناهج والمؤسسات الحكومية، وهو ما يعزز من مخاوف الهيمنة. جدير بالذكر أن أنقرة تستعد للدخول في حرب برية مع قوات سوريا الديمقراطية، وهو ما يعتبره محللون أنه سيصب في مصلحة تنظيم داعش الإرهابي.

في الختام؛ يرجع طول أمد الصراع في سوريا إلى تصاعد وتيرة العنف، وتحول سوريا إلى ساحة لتفريخ التنظيمات الإرهابية، وتعتبر العديد من الاتجاهات أن تنامي ظاهرة استخدام السلاح خارج نطاق الدولة ومؤسساتها في سوريا ستنعكس آثارها بشكلٍ سلبي على المديين البعيد والمتوسط على العملية السياسية، وذلك لاعتبارات تتعلق بمأسسة لغة السلاح عبر السنوات الماضية بدلًا من الحوار، خاصة في ظل الحديث عن إدماج حركات متطرفة في العملية السياسية مثل "هيئة تحرير الشام" التي تعمل حاليًا على تجميل سياستها لرفع اسمها من قوائم الإرهاب الأمريكية.